د هاشم الفريجي Admin
عدد المساهمات : 346 نقاط : 595 تاريخ التسجيل : 09/06/2009 الموقع : المؤسس والمشرف العام
| موضوع: شعراء شعبيون من ميسان الإثنين ديسمبر 06, 2010 3:55 am | |
| بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة نقدية تحليلية لديوان الشاعر الشعبي المرحوم الحاج نعمة غالي الفريجي ( ريح الجنوب ) / بقلم د.هاشم الفريجي
ولد الحاج نعمه الغالي الفريجي في أرياف ميسان عام 1932 وكان الولد الأصغر لعائلة مكونة من ولدين وأربع بنات, وكان والده يجيد قراءة القران الكريم شانه شان الكثير من أهالي الريف لكنه لا يحسن قراءة غير القران أو الكتابة, ولم يكن في ذلك الوقت مدارس غير الملالي لتعليم الصغار فألحقه والده في إحداها فكان الوحيد بين أبناء عمومته وأقربائه يجيد القراءة والكتابة وكانوا يلجئون إليه لكتابة وقراءة رسائلهم كما انه بدا بشراء ما وقعت عينه عليه من كتب في ذلك الوقت حتى ألف مكتبة صغيرة كانت موجودة في صندوق صغير في بيتنا في بغداد عام 1958 وكان من ضمنها كتاب ألاغاني وكليلة ودمنه وألف ليلة وليلة. ونتيجة لذلك لقب ب (الملّه) على عادة أهل الريف كلقب يطلقونه على من يجيد القراءة والكتابة. كان أخوه المرحوم محمد الغالي الذي يكبره بعدة أعوام شاعرا ينظم البوذية والمواويل والبستات والهوسات في المناسبات ولكونه لا يجيد الكتابة فقد ضاع شعره كله إلا النزر اليسير مما حفظه شاعرنا أو اتيحت له فرصة تدوينه. ويروي الحاج نعمه أن والده كان يقول البيت أو البيتين ويحفظ بعض البوذيات والمواليات ويرددها بعض الأحيان على مسامع أولاده مما دفعهما إلى محاولة نظم الشعر بوقت مبكر هذا إضافة لكون اخوالهما شعراء من بيت أبو لسان-فريجات- وهو لقب أطلق عليهم لكثرة شعرائهم أمثال كاظم إصنيع و مناتي إصنيع المعروفين في ذلك الوقت. لقد عاش شاعرنا حياة الأرياف ببساتينها و أهوارها وأنهارها وبرديها وطيورها وتاثر كغيره من الشعراء ببيئته القروية, كما عانى من شظف عيشها وسيطرة الإقطاع عليها مما دفعه إلى الهجرة المبكرة منها حيث وصل بغداد ولم يتجاوز عمره خمسة وعشرين عاما, وساعده استقراره فيها على إكمال دراسته الابتدائية ثم الالتحاق بكلية الشرطة في بغداد ليتخرج منها برتبة مفوض عام 1963. وقد ذكر الشاعر نتفاً من تأريخ حياته وما حصل عليه من تعليم وبعض ما يجيده من أمور في قصيده كتبها إلى احد أصدقائه الشعراء نذكر منها: هاجر والدي وانا بعدني ازغير راح الكربله يعبد يدور خير وانه اوياه أخذني واحسن التدبير حطني اهناك عد المله لاختاره . *** احجيله حياتي مختصر كلها صايم والصلاه قطعاً فلا ملها مفوض مهنتي والرتبه لاحملها نجمه وبالاصل من اهل ألعماره . وحتى ذلك الحين كان لدى شاعرنا عدد لا بأس به من القصائد التي كتبها في بعض المناسبات, كالقصيدة التي مطلعها:
كتلج ولج عميني ومن الطحن تعفيني التي نظمها عندما طلبت زوجته منه إرسال كيس الحنطة إلى المطحنة ورفض ذلك لانشغاله بامور أخرى أهم من ذلك الموضوع. والقصيدة التي نظمها بناءً على طلب احد معارفه بعد خسارته الكبيرة في تجارة القماش:
عارف بالتجارة ورافك التجار ما باع القماش اللي شراه وبار ولكن اسم شاعرنا شاع وذاع بعد أن أحرز قصب السبق بفوزه بالمسابقة الشعرية التي أعلنتها إذاعة بغداد بمناسبة الذكرى الثالثة لثورة الرابع عشر من تموز واشترك فيها الكثير من شعراء العراق فكان الفائز الأول والوحيد بقصيدته التي مطلعها: ياهو الضحى ابحياته وانتصر وياهو الوحده لبس ثوب الفخر ومنها: هل صفه ماتنوجد بس بالزعيم العبقري الناصح الحر العظيم ابن يوم اربعطعش عبد الكريم لا تظن يولد بعد مثله الدهر . وبعد ظهور جريدة المتفرج التي اعتنت بالشعر الشعبي شارك شاعرنا في كثير من مسابقاتها وفاز بالجائزة الثانية في مسابقة المجلة الرابعة ونشرت في العدد 104 سنة 1967 على مستهل نظمه الشاعر أبو فردوس وهو: أحب كل منصف وعنده وفى وصادق واكره الذي كذاب وينافق ومنها: والجذاب يتراوالك امرايه ابوجهك وبكفاك ايصير سلايه جذابين شفت ابعمري اهوايه مثل افلان مامش بالجذب غارق . كما فازت له قصيدة أخرى بالجائزة الثالثه، وكتب للمجلة عدة قصائد رداً على قصائد لشعراء عديدين منهم الشاعر عبد الرزاق بلاسم العقابي المنشورة في المتفرج العدد 183 بعنوان كتله وكال، وكذلك رداً على قصيدة الشاعرة مريم السامرائي المنشورة في العدد 276. كما كان صديقاً دائماً لبرنامج الشعر الشعبي في إذاعة بغداد الذي أذاع له عددا من القصائد لمسابقات أعدها الشاعر جودت التميمي منها قصيدة انتي وانا المنشورة في الديوان، وإجابة حزورة بقصيدة شعبية مطلعها: البيض انصاف ماينباع يرجع لو صدع مصدوع بيضاتك سبع بيضات حلي لو غلط مرجوع ولا يفوت شاعرنا إن ينظم قصائده في المناسبات الدينية من ذلك قصيدته بمناسبة ولادة الإمام الحسن عليه السلام وأخرى بمناسبة استشهاد الإمام علي عليه السلام وقصيدة في ذكرى معركة بدر الخالدة. والصفة المميزة للشاعر الحاج نعمه الغالي ميله إلى صياغة العديد من قصائده حاوية كلمات عربية فصيحة ربما لا تجد مثلها في كثير من قصائد الشعراء الذين عاصروه، ويعود ذلك إلى أن شاعرنا دخل المدارس وتعلم القراءة والكتابة وطالع الكثير من دواوين الشعراء الكبار وربما تاثر بأفكارهم وصورهم الشاعرية من ذلك قوله: اختار خلك واتخذ صاحب أمين والمقارن يقتدي ابطبع القرين الريح تاخذ من تمر بالزين زين وشين تاخذ من تمر هذا الاكيد . وهو كما يبدو مأخوذ من قول الشاعر: الريح آخذة مما تمر به نتناً من النتن أو طيباً من الطيب وقوله في مكان آخر:
لا تنادي اهل الدوارس نادي حي اليسمعك ولو تشوف الحيّ دارس سيل بالحي مدمعك مأخوذ من قوله : لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي. ويقول بمناسبة استشهاد الإمام علي عليه السلام: اليوم هاشم راودتها أحزانها جي سفينتها انفكد ربانها . *** اليوم هاشم لبست اهدوم الحداد جي سفينتها انفكد منها العماد الموت حيدر ماجت السبع الشداد والارض ماجت جميع اركانها . والذي يطلع على قصائد الحاج نعمه يجده ذلك المتيم الذي غلبه الشوق والهيام فديوانه يعج بقصائد الغزل الذي ينم عن صدق العاطفة وصفاء النية المشوبة بلوعة البعد والبكاء على لقاء الحبيب وهو يبكي بكاء مراً على فراق حبيبه، وهو بعيد عنه في بغداد بعد أن فارق ديار أهله وأحبائه في الجنوب فتراه ينادي ريح الجنوب. احب ريح الجنوب اتهيج يوميه جي هالريح تحمل ريح فوزيه . *** جي هل ريح تحمل ريح محبوبي احبها اتهب مدام وتتجه صوبي ياريح الجنوب ابريح مطلوبي امتزج واقصد سمانا ابطيب ليليه . ولما تداعب قلبه أطياف الحبيب البعيد ولا يجد واسطة تحمله إليه بسرعة توازي حر أشواقه فانه يتمنى أن يركب (بمهفهفه) أي طائرة سريعة ليصل إلى حبيب قلبه الذي تركه وحيدا هائما في ذكرى الغرام: عونه الركب بمهفهفه تطوي الارض ليكم طي ويزوركم ياهل الوفه ونيرانه اتخف اشوي ويطول الحديث عن معاناة شاعرنا الذي يؤكد أن كل ما قاله عن الهيام والحب ما هو إلا خيالات كانت تطوف في خياله عن حبه لكل أهله وأحبابه وإخوانه وان كل ما كتبه هو غزل عذري يلهج به كباقي الشعراء الذين يقولون مالا يفعلون. على انه يعلن اعتزاله للغرام بعد معاناته القاسية وبعد أن عاد إليه الحبيب ليغربه بالعودة إلى أحضان الحب لكن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين فيقول: جزت امن الهوى وتركيت لتظن الهوى ايرد لَي مية دين الك حلفيت مالك ماتصدك بَي
*** لو جاني الهوى ودك باب كلبي ما افتحنه وكله انته صدك جذاب اصيحن بيه اطردنه اجاني وراد مني اعتاب خفت اسكت واطمعنه كلي انته سقيم وهاك من ريجي اشواي ادوي . ويقسم الا يعود إليه بعد ما ذاق كل ذلك العذاب ومرارة البعاد ويلزم نفسه بشهود ثبوت يشهدون على موقفه هذا أمام الحبيب فيقول: كتله ارجع بعد هيهات للحب وامشي ابدربه بيّه اجروح ما طيبات منه وبالكلب حربه جرعني الصبر كاسات ريت ايبادره ربه ما ارجع اطيت اشهود حمير والعبوده وطي ويعرج شاعرنا على عادة الشعراء فيبكي شبابه الذي هرب منه بلا عودة بكاء مراً: من حلاة الروح ناديت الشباب كتله جسمي اخلافك انتابه الخراب كون ترجع واشجي عندك هالمصاب واشجي ضيم الشيب عندك يا شريد . وهو يناجيه ويرجوه أن يمر به ولو ليوم واحدا ليصبغ ما شاب من رأسه بسواد فيقول: ياشبابي لو ترد بس يوم عاد تصبغ اشماشاب من راسي ابسواد كال هيهات الجمع بين الاضداد ابعيد من بعدي تفر منك الغيد . وعلى عادته في صياغة أفكاره بشكل حوار بين متحادثين ليوصل الفكرة حية و واضحة لسامعيه يقول على لسان شبابه الذي هرب منه: صاح بيه اصباي ناداني ابزجر كالي ابدربك بعد هيهات امر بيني وبينك تره ايطول الهجر الدهر يطرد وانته جدامه طريد وعندما لايجد بدا من الاستسلام امام الزائر الجديد وهو يضع رحال سفره فوق رأسه بلونه الابيض الناصع يضطر للتعايش مع ضيفه تعايشا سلمياً ويحاول تبرير الامور بحكمة بالغة فيضرب لنا مثلا بالديك الذي لايهتم بالوانه وكانه يتفق مع شاعر الفصحى الذي يقول : عمري بروحي لابعد سنيني فلأهزأن غدا من التسعين عمري الى السبعين يذهب راكضاً والنفس باقية على العشرين ففي قصيدة (رحل مني شبابي وفاتني طيشه) يقول الشاعر:
رحل مني شبابي وما اظل مندوم الناس اتشيْب كلها والخبر معلوم الشيب ايزور شعرك لازم ابفد يوم حتى لو صرت ياصاحبي ابشيشه . *** اقنع بالقدر لاتندم اعلى الراح خلها اتكون ايامك يخي بفراح شوف الديج زاهي وكل وكت صداح مايهتم تراه ابلونه وبريشه . و يتحفنا الشاعر بجملة من تجاربه الغنية في حياة صارع فيها بين شظف العيش ومصاعب الحياة وبين غربة طويلة قضاها متنقلا بين محافظات العراق شماله ووسطه لفترة طويلة حتى حط رحاله أخيرا في بغداد بعد أن عانى الأمرين من معاناته في الإيجار ومن جاورهم ومن صادقهم وهو يتعامل مع الجميع بطيبة قلبه وصدقه: عذبني هذا الايجار كل يوم نازلي ابدار . *** كل يوم نازلي ابطرف والسبب خافي منعرف واللي علي كلش كلف من كون اجاور خمار . *** جاورني واحد جذاب غشني عبالي ابن اطياب كل يوم لازملي الباب بلله يمعود دينار *** ناوشته دينار وراح قرضه ولا دور ارباح لو تدري اشسوى اصياح من كتله الموعد صار **** وقصيدته الأخرى التي صدقت فيها نبؤته ببناء دار: ايصير اخلص العمر وانا ابغير دار ايصير كل الدهر ابقى ابهل مرار . *** نعم كلشي ابهالوكت هذا يصير ويتحقق هالطلب والله القدير عندي قطعه بسمي صارت راح ادير بيها بيها وابنيلي قصر ملك وعقار .
لقد قيل أن خير الشعر ما كان حكمة وخير الحكمة ما كانت شعراً وفي هذه المقدمة السريعة أود أن أسجل بعض ما نظمه الشاعر من الحكم والأمثال في قصائده: عمامك لا تحاربهم ينفعونك مامش غيرهم واحد يكف دونك . وفي هذه القصيدة ينقل لنا الشاعر صورة جميلة من صور اهوار الجنوب ومن صميم عاداته وتقاليده ليضرب بها مثلا على تحمل الأعمام والأحباب والصفح عن أخطائهم لأننا معرضون لمثل تلك الأخطاء وفي تشبيه رائع يصف العشيرة بأنها تشبه (شاشة العلكه) وهي كومة تصنع من الأعشاب اليابسة يدخل فيها نبات العلكه والصريم المشهوران يستخدمها الناس في عبور الأنهار عند تنقلهم من مكان إلى أخر حيث يحملونها على رؤوسهم حتى إذا ما صادفهم نهر عبروه بالاستعانة بهذه الشاشه رغم أنها من العلكه والصريم الذي يؤذي الجسم فيقول:
أحسن من عمامك ما أظن تلكه وانته ابغيرهم وحدك فرد تبكه تشبه كل عشيره لشاشة العلكه تعبر فوكهم لجن يجرحونك *** اعبر بالسلامه والجروح اتطيب واحفظ شاشتك واقبل بهذا العيب حطهم فوك راسك هذا راي مصيب نوبه اتشيلهم نوبه يشيلونك . فأكثر الشعراء إبداعا هم اؤلائك الذين يستطيعون نقل مشاعرهم وتجاربهم بمفرداتهم الحياتية التي اعتادوا عليها والذين يطوعون المفردات البسيطة لتحمل صوراً دقيقة لما يدور في أذهانهم ثم يلقون بها في آذان المستمعين وعيون القراء على سجيتهم وهي صفة ملازمة لاسلوب الشاعر تميزه عن غيره من الشعراء حتى أن النقاد ومتذوقي الأدب يستطيعون ببساطة معرفة القصائد ونسبتها إلى شعرائها استناداً إلى هذه الخاصية الرائعة. ويستعيد الشاعر ذكريات الريف باهواره وابلامه ومراديه ليرسم صورة أخرى يكتبها إلى صديقه الشاعر جودت التميمي بعد أن تقدم بهما العمر فيصور صعوبة الحياة بعد ذهاب الحيلة والقوة أمام رياح العمر العاتية التي ساقت شبابهما بلا رحمة فيقول في قصيدته انته وانا:
اشلون خويه اتريدنا انشيل الشراع والمرادي امكسره يابن السباع واحنا بس مجذاف والمجذاف ضاع والبلم خويه انكسر سكانه . يروي الحاج نعمه الغالي لنا ونحن صغار كيف كان يرعى غنم أهله في أرياف ميسان وكيف شاهد بأم عينه الذئاب التي تغير على الرعاة فتنهب منهم غنائمها بسرعة البرق، ويذكر أيضا أن كلاب الراعي تقاتل هذه الذئاب وتمنعها من الاقتراب من القطيع، فلا يغير الذئب إلا على راعٍ لا كلاب له، وفي قصيدته الرائعة ( إمام المايشور ) ينقل لنا هذه الصورة الحية ويصوغها بحكمة بالغة فيقول:
واجب لليدك بابك تدك بابه امام المايشور محد ايهابه . *** يغير الذيب عالمامش جلب عده يسوي اشما يريد ومحد ايرده كون اجلاب توجد يوصل اشحده الراعي اينام ويحرسونه اجلابه . وبما أن الكلب يضرب به المثل في الوفاء فلابد أن تكون خيانته مؤلمة لصاحبه و شاعرنا يصف الخونة والمتآمرين بالكلاب التي تعين الذئاب بدلاً من أن تحمي الراعي الذي يرعاها ويعطيها كل حبه وثقته، فيعرج على قضية فلسطين السليبة ويصف الخونة فيقول: واحنا اجلابنا كامت اتعين الذيب متحمسه لمشاريعه اتخاف اتخيب والله يا عرب زحمه علينا وعيب فدائينا وحيد وقلت اصحابه . إن تجارب الحياة بحلوها ومرها لا تغيب عن أذهاننا وتترك في نفوسنا أثرا لا يمحي مهما طال بنا الزمان، وينقل الناس تجاربهم لغيرهم بطرق عديدة لكن الشعراء أكثر الناس تأثيرا بغيرهم فهم يصيغون تلك التجارب بقالب حلو مقبول يدخل القلوب بدون أستاذان ويبقى عالقا بأذهان السامعين بجرسه الموسيقي الجذاب ومن هنا صيغت أكثر الحكم والتجارب والأمثال شعرا فخلدها الشعر على مدى الدهور، ولا يبخل علينا الحاج نعمه بشيء من تجاربه بل وينتقلها لنا بثقة عالية بالنفس لان شاعرنا عايشها وتعلم منها وهو يرى أنها جديرة بالاحترام فلا يتردد بوصف نفسه نصوحا لقرائه فيقول في قصيدته (نصائح وحكم):
اختار خلك واتخذ صاحب رشيد كون طيب محترم رايه سديد . *** دوك اخذ هذي النصايح من نصوح والتجارب سوت ابكلبه اجروح اسرار للثرثار بالك لا تبوح بوح سرك للثقه كونك تريد *** واحتفظ بالمال لاجن لاتصير ينضرب بيك المثل بخلك جثير المال يرفع صاحبه وفقر الفقير ايذبه ابسافل يفر منه العضيد . ولا يريد شاعرنا من ولفه أن يبادله الحب العذري ومشاعر الهيام فحسب بل ويطلب منه أن يقف إلى جانبه بكل ما أوتي من قوة وقت الشدائد فيقول: لوردت ياصاح تاخذلك ولف اختار ولف اللي تعرف اطباعه من يشوف ايام دهرك تختلف يوكف وياك ويهز اذراعه . وفي قصيدة خرى ينقل لنا المثل العراقي الشهير (المايسوكه مرضعه سوك العصى مايطبعه) فيقول: الماتسوكه الذات ويجيبه الحليب ماتفيد ويا العصى ولايطيب خبثه دوم ايزود عنده للمشيب وثوب مرضه لابسه ما ينزعه . إن مروراً سريعاً على عناوين قصائد الشاعر يرينا تعدد أبوابه الشعرية فمن الاخوانيات إلى الحكمة وذم الزمان إلى قصائد الغزل والعتاب والمدح والرثاء. إضافة إلى أبواب أخرى اطل منها ليحدثنا عن أمور لم تخطر ببال أي منا، فمن ذا الذي يفكر بقصيدة تحكي معاناة مسمار بين يدي نجار وهو يطرق على أم رأسه بمطرقته ولا يترك له مجالاً للإفلات من مروره سريعا بين الأخشاب دون نقاش. ويكاد طابع الحوار الفكري الجاد أو الهزلي اللاذع يطغي على العديد من قصائد الشاعر وهو أسلوب يجيده بشكل متميز ويطوعه لنقل أفكاره عبر حوار بين اثنين أو أكثر مما يجعل القصيدة تنحو نحو قصة تبدأ بمقدمة يحكيها لنا الشاعر ثم يصل بنا إلى قمتها وبعد ذلك إلى نهايتها بشكل يشعرنا وكأننا أشخاص مشاركون في أحداثها ب مباشرة بسبب الأسلوب القصصي الرائع الذي يدمجنا بتلقائية ويسر في الأحداث.. ففي قصيدة البسمار والنجار يعطي الشاعر مقدمة بسيطة عن الموضوع فيقول: حضر اسلاحه النجار واعلن حرب عالبسمار … ثم يحدثنا عن استعداد النجار لهذه الحرب التي تدور رحاها بين طرفين غير متكافئين حيث يجمع النجار أسلحته ويحثها على القتال: حضر اجنوده الشجعان نشطين مامش كسلان كلهم لنشاط انطى اعلان فاسه وشفره ومنشار ثم يقول عن البسمار الذي لاحيلة أمامه غير الانقياد إلى أمر النجار:
بالوسطه صار وماحاس مابين جاكوج وفاس صار الضرب فوك الراس جنهم يطلبونه ابثار . ولا يترك هذه القصة المأساوية تمر علينا مرور الكرام دون أن يلقي علينا الحكمة من روايتها، إذ ما هي الفائدة المرجوة من كل هذه المعركة غير العادلة والتي تنتهي بانتصار النجار القوي الذي يصفه الشاعر على لسان المسمار المهزوم بأنه (ماعده احساس)،فينهي هذه الدراما المأساوية بان القوي يحكم بالحق والباطل ولا يرعى للضعيف حقاً : هيج الذي عدهم حيل يكصون بالحك والميل الماعده خوان ايشيل هذا المثل شفته وصار
وفي قصيدة أخرى يصف لنا أحوال الفقراء ومعاناتهم بقصة شعرية على لسان احد الكناسين الذي يطلب من الطبيب أن يرافقه لعلاج ولده المشرف على الموت، فيروي لنا الحكاية من بدايتها وكأنه يراقب المشهد ويمثل دور الراوي: اشصار اشسدى عالكناس يصرخ جمع كل الناس . ولا ينسى أن يمجد دور هذا المواطن في خدمة الوطن، حتى انه في احلك ظروفه ومرض ولده الخطير يفخر بان ابنه سوف تتحسن صحته بعون الله ويتعلم مهنة الكناسة ليكون كأبيه فيقول: صاحب بأس ردته ايصير واسع ادراك وتفكير يتلامع ايخلي الجير لو نظفه بالمكناس . وبعد عدة أبيات يشرح بها الكناس حالة ولده ومعاناته للطبيب يقول الكناس: كتله يدكتور اشلون ابني انخطف منه اللون وانتم العنكم يحجون بيكم رحم واهل احساس . ثم يقول على لسان الطبيب: عدنا رحم كلش زين لاهل الحسب والزنكين بس انتم الكناسين لو متوا كلكم لاباس . وهو في هذه القصة –القصيدة يرسم لنا صورة من صور الصراع الطبقي بين الأغنياء والفقراء وفي أبياتها يجتمع الكناسون لاسناد موقف صاحبهم ضد هذا النوع من الأطباء الذين ينظرون إلى مهنتهم بعين واحدة هي عين المال, فيقررون جمع المبلغ اللازم ولكن الكناس يقرر بيع مكناسه لتوفير المبلغ بدلا من تكليف الفقراء أمثاله بمبالغ اضافيه، وهو بذلك يعلن احتجاجه على أجور مهنته التي لا تلبي ابسط أنواع الخدمات..
وينك يراعي الناموس والفضل عدك محسوس كلي ولك جيب افلوس اطلع لاضربك بمداس . *** رديت باتعس كل حال لاهلي وصحت كل زبال حمزه البطل كام وكال هالاجره نجمعها اخماس . ويصل الخيال الواسع بشاعرنا أن يتصور معركة حامية بين السيارة والبعير، فيحكي لنا كيف أن بعيرا وصل المدينة ذات يوم صيف لاهب وهو يسير على طريق مبلط وكيف بدأ يعاني من زحمة السيارات واستهزاء السائقين به وبصاحبه وكيف يدافع عن نفسه ويعدد عيوب السيارات،فيقول واصفاً البعير وكأن السيارة هي التي تتحدث: شفت اليوم ياهناس يمشي بالمدينه ابعير بجفوفه لزك من داس عالشارع خطيه الجير . ثم يسرح في خيال أخاذ ليسرد لنا أقوال ودفاعات كل من السيارة والبعير بطريقة ساحرة ترقى إلى فن الملاحم الشعرية التي قل نظيرها في الأدب الشعبي العراقي : يالتكسي بلشتي اوياي هاج ارد اطلع اعيوبج اشلونج من يفور الماي بيج وهيمه ادروبج لو ينكص هواج اشواي بالتاير وبم مابج التاير من يطك اشلون وانتي ماوياج اسبير
ولكن السيارة لن تقف مكتوفة الأيدي أمام هذا القادم من عمق الصحراء والذي ولى زمنه إلى غير رجعة، وهو يكيل لها تهماً لا اصل لها على ارض الواقع، فيقول الشاعر على لسان السيارة مخاطباً البعير المرتجف إمام أصوات وهدير محركاتها: وسعت الخيال اتريد جنك تحكم ابفكرك دربي امبلط وتعبيد مامش رمل بيه ابرك والسايق شهم صنديد للوياه الكل يدرك دارس بالمدارس شاب طيب يحسن التدبير
وفي ملحمة شعرية أخرى تؤرخ للأدب الملحمي الشعبي الذي يعتمد الحوار الفلسفي الممزوج بالعواطف الجياشة بين أشخاص الحوار حيث يمثل الشاعر ادوار الجميع الواحد تلو الأخر ثم يطرح علينا حلاً اختاره بنفسه بعد أن أقنعنا بصحة حججه. فيسرد علينا الشاعر معاناته الحقيقية مع التدخين بقصيدة رائعة يصور فيها التدخين بأنه صديق عمره الذي لا يفارقه. صاحب جان الي مدلل واحبنه ينام ابنومتي واكعد واكعدنه . *** صاحب حين صاحبته وتكاربنه لاهواغتاظ مني ولا تخاربنا مغرم بيه ويهواني وتجاربنا بالهم والفرح والضيج اندبنه . ذلك الصديق الذي حذره منه كل من يحبه لكنه لم يصدق ذلك حتى انتبه ذات يوم وهو يسحب أنفاسه بصعوبة بالغة: كالوا صاحبك هذا الغدر شانه يكتل صاحبه ويهدم اركانه كل باكيت منه شايل اعلانه يعلن بطل التدخين اشوفنه . فيعاتب نفسه وصديقه عتاباً مراً ويدخلنا معه في معركة طاحنة بين نفسه وعقله وقلبه بصورة فلسفية يحاور كل واحد منهم صاحبه ويتهمه بالخيانة ويقف هو متفرجاً معنا محاولاً أن يجعلنا حكاماً في قاعة محكمته التي نصبها للحكم على اعز أصدقائه:
بيني وبين نفسي صارت اطلابه كلمن كام منا يحسب احسابه نفسي اتكول احبه وروحي اتهابه وبالنص كلبي المسكين حطنه . فلما لم يجد بداً من الرضوخ إلى صوت العقل بدأ يهاجم صديقه وحبيبه الذي يتهمه بالخيانة فيحكم عليه بالهجران إلى الأبد لا لشئ إلا لأنه لا يستحق التضحية في سبيله.. كطعيت التتن من واحد ابتموز سنتة اثنين والتسعين واعلن فوز لاعن ملل كطعيته ولا عن عوز صاحب خاني وارد اشتمر منه . لقد ضاقت مساحات الشعر بما يجيش بنفس شاعرنا حتى بدأ يبحث عن أمور لم يطرقها قبله احد من شعراءالعاميه فها هو يطلع علينا بقصيدة تقرأ كلماتها بالمقلوب، أي من أولها إلى أخرها ثم من أخرها إلى أولها. وهو يعترف بان ذلك تجديد إلا انه لا يتحرج من أن يطلق عليه اسم تجديد أم تعقيد. وقد نظمها رداً على احد الشعراء الذين قالوا أن القافية تربك الشاعر وتحدد إبداعه وبلاغته فقال: فاهم بالشعر فارس عالم باللفظ دارس معكوسها: دارس باللفظ عالم فارس بالشعر فاهم وهكذا تسير باقي ابيات القصيدة من اولها الى اخرها بيتا بيتا تستطيع ان تقرأها بالمقلوب!. ولم يكتف بذلك حتى خرج علينا بمقطوعة من اربعة اشطر مدورة تكون فيها بدايات الاشطر نهايات للاشطر التي تليها مباشرة ومرسومة على شكل مربع لتوضيح كيفية قراءتها. حيث تبدأ قراءة المقطوعة من وسط الرقعة مبتدأ بحرف الراء وتسير باتجاه السهم الخارج فتجمع معه الواو والحاء لتكوين كلمة (روح) ثم تكمل قراءة الشطر وهو (لهلك عذبتنا روح لاتلبس) بعدها تسير باتجاه السهم الداخل الى وسط الرقعه مبتدأ بحرف الحاء ثم الباء ثم الراء لتكوين كلمة(حبر) ،ثم تعود باتجاه السهم لتجمع حروف الراء والباء والحاء لتكوين كلمة(ربح) وتكمل القراءة مع الشطر التالي (كلمن حضه ابوصلك اشكر وشعرك) وهكذا. ونلاحظ ان الكلمة الاولى من الشطر الاول هي مقلوب الكلمة الاخيرة من الشطر الاخير بينما تكون الكلمات الباقيةفي نهايات الاشطر معكوس الكلمات في بداية الشطر الذي يليها
فتصبح المقطوعة كاملة بالشكل التالي:
روح **** لهلـــك عذبتــــنا روح لا تلبـــــــــــس **** حبر ربـح **** كلمن من حظى ابوصلك اشكر وشعرك**** حَمَر رمـح **** صـــوَّب للدليل وصــــــــوَّب الراسي **** حجر رجح **** حسنــــك عالطوايف جي ابعينينـــــك **** حَوَر
والمقطوعة مشابهة من حيث الشكل والترتيب لمقطوعة في مدح الإمام علي عليه السلام اذكرها هنا للمقارنة.
قمر **** التم علي المرتض ىحبه في الارض ينجي من **** رهق قهر **** الاعداء في صارمه وسقـــى القوم كؤوسا من**** علق قلع **** البــاب واردى مرحبــا بحســــام اورث الاعدا **** ارق قرأ **** القرآن التوراة والانجيـــل طفلا حيــــن للافـق **** رمق *****************
وكيفما كان الشبه بين المقطوعتين لا يخفى على القاري الصعوبة البالغة في تصميم هذه اللوحة الجميلة والبليغة في هذا الشكل الجذاب، فالأدب الشعبي بشعره وأساطيره وأمثاله كان ولا يزال وليدا للأدب العربي الأصيل يحاول تقليده والسير على خطاه. وكانت الفنون ولازالت تشهد ولادة العديد من الفنانين والشعراء،ولكن الذين يتركون بصماتهم واضحة على الفن هم قلة يشار إليهم بالبنان ذلك أن الموهبة شيء والإبداع شيء أخر،والشاعر المبدع هو الذي يضيف شيئا جديدا لفنه ويحهد نفسه ليرتقي به في سلم الإبداع الذي لا تحده الحدود. ثم لم يلبث أن كتب أبيات ابوذيه مكونة في معظمها من كلمة واحدة يتصرف بها الشاعر ليصوغ منها معاني مختلفة بشكل بارع يدل على سعة الخيال والتحكم التام بالوزن والمفردة التي يرتبك السامع عند سماعها لأول وهله و يأخذه العجب بعد أن تتضح أمامه معانيها البسيطة: يدر بالدر تداري منتداري بدر بدر بدارك منتداري قسم بالدر لدورن منتداري وادور الدور دور القاط ميه . *** تحل بالحال حبلي وانتحبلي حِلا حالي ابحلالك وانتحبلي عدوي الجان ضدي وانتحبلي حبيب وحل مجاني الحل عليه . *** يخل يالخال خالي وانته خالي تخل بالخل خليلك وانته خالي تظل ما بيك نخوه وانتخالي اليضد والخل يخل خلات بيه .
ولم تغب الفكاهة عن بال شاعرنا الذي كان يمازح أصدقاءه بأبيات لطيفة هنا وهناك بين قصائده الاخوانيه والتي لم ينشر منها إلا النزر اليسر لخصوصيتها، ويستمد مادة مزاحه من صفات أصحابه دون أن يجرح مشاعرهم وهو المعروف لديهم بدعاباته الكثيرة من ذالك ما كتبه لصديقه المرحوم اللا عبيد لفته الفريجي وكان أصلعا ليس برأسه سوى بضعة شعرات قرب زلفيه فيقول له:
كلبي عليك اشتاك وبنفسي ونسه خاف الزلف ياذيك خليني اهلسه كلبي عليك اشتاك وبنفسي اشوفك والزملك المنكاش واهلس ازلوفك . ويصف لمعان راسه فيقول: راسك يمله اعبيد مثل الحريجه يمي الحدود ايران يوصل بريجه . فيجيبه الملا قائلاً: يشبه البدر التام راسي امن اجرده شنهو الحدود ايران يضوي اعلى لنده . ويداعب صديقه الشاعر عبد العالي الحلفي في البصرة وكان طويلاً: كل واحد البيه طول وياه صقاعه والطوله بيه مترين حنظل طباعه طولك ثلث مترات زايد براعه اتريد اول انته اتصير ما ترضه ثاني .
ويهدده بزيارة مفاجئة ياكل فيها قل ما يقدمه له من طعام دون ان يشبع: لا تصدك يوم اجيك كل هلك تحتار بيك . *** يوم اجيكم بالقطار امن الصبح باول نهار امن اللحم آكل اتغار والصحن فارغ يجيك . *** كوم حضر واخذ سلفه وبالاكل خلك تعرفه بالشته يزداد علفه والكرش منا وليك . وعندما دعا بعض أصدقائه إلى وليمة على سمكة كبيرة أتته هدية من العمارة فقال يصف تزاحمهم عليها دون رحمة: ما اكلها اكلوها ربعه موش واحد جوها سبعه خوش شبعوا بيها شبعه بالاكل عدهم مهاره. *** يوم اللتموا علـــــــــــيها وما لكوش اعظام بيها كضها حنون امن اديها ايريد ياخذ منها ثاره . *** ايكول بنيه مثلها عضت امي من رجلها وطاح بالبركه حجلها ابيوم جنا بالعماره . وفي قصيدته عارف بالتجاره التي مر ذكرها يعرض التفاصيل الدقيقة والمهمة من الموضوع الذي كلف بنظمه دون زيادة أو نقصان ولكن بشكل هزلي بعد أن تعرض بيت التاجر إلى سرقة إثناء سفره وكأنه يحاول أن يخفف من وطأة الخسارة الكبيرة التي مني بها صاحبه في أولى محاولاته التجارية فيقول: اقماشك من شريته ليش مابعته خوش اشكال كله ابريسم وبته ايكلها هاذ بار ويشتكي المرته اتكله الحك صفرنا باكه الصفار . *** ايكلها اشلون باكه كصيلي الخبر اتكله اهناه اجانا ويصيح الظهر لميت الصحونه والطوس ابجدر او وصيته يسيد يطلع الزنجار . *** اتكله يكلع الزنجار وصيته وكون ادريه حرامي جان كظيته بس الخام كلي وين وديته ايكلها ذاك هوه كرضاه الفار . ولا أنسى أن أطلعك عزيزي القاري على ولع شاعرنا بنظم الحزورات بطرق مختلفة ولولا خوف الإطالة لذكرت لك منا الكثير، فعلى سبيل المثال يقول في المغناطيس:
شنهو الوجهين عنده وما عرف سره العلم ينسجم ويا اليضده اومن شبيهه ينهزم .
وفي حزورة عن شجرة الليف يقول:
منسوجه مثل الخام وابيض شكلها تنزرع بالبستان وتفيد اهلها . ويقول في لغز عن الوطن: شنهو البخلك محبوب وانته اتقدره وتوده ايصير اول حرف لو طار منه للوزن وحده . *** من اقرى الاسم مكلوب واول حرف احطنه بالنص بالوسط فدنوب يتكون اسم منه معناته وسام ايصير فنه اليعرفه فنه باسم اللغز ثلث احروف مامش غيرهن عده . وحدة الوزن هي( طن)، و وسام يعني (نوط). وبعد كل هذا وذاك من الأدب الشعبي الثر يعرج الشاعر على فن شعبي أخر هو الكتابة ب (الريحان) وهو فن للحديث المشفر حيث تمثل الكلمات حروفا للأبجدية ويتحدث به الذين يعرفون أسراره فلا يفهم حديثيهما احد, وقد وضعت مجاميع كبيرة من الكلمات لتعبر عن كل حرف من حروف الأبجدية، فأسماء الرجال ترمز إلى حرف الإلف، والبقوليات من النباتات ترمز إلى حرف الباء، وجميع الحيوانات الهائمة ترمز إلى حرف الهاء، وكل الجلود أو ما يصنع منها ترمز إلى حرف الجيم وهكذا.. وفي هذه المقطوعة القصيرة يخبر الشاعر صديقه الشاعر حمزة الفتلاوي في الصليجية الذي يفهم هذا الفن بنجاح ولده هاشم في الامتحانات الوزارية فيقول:
ياهو اليحل حزورتي الملحونه بريحان منظومه ودفن مدفونه . *** ذيب يوسف ظل شهر بالكوفه ايريد للمريخ يمشي ايشوفه جابر لبس فروه ودرع من خوفه تم اللغز ياهو اليحل مضمونه . فالبيت الأول لا يرمز إلى شيء، وفي البيت الثاني كلمة ( ذيب ) وهو من الهوام فيرمز إلى حرف الهاء(هـ)، أما( يوسف ) فهو اسم رجل فيرمز إلى حرف الإلف (ا)، و (شهر ) إلى حرف الشين(ش)، و(الكوفة) من المدن يرمز إلى الميم (م), فيتكون اسم (هاشم ) من جمع تلك الحروف.و(المريخ) من النجوم فهو يرمز إلى النون (ن)، ثم( جابر) إلى حرف الإلف (ا)، و(الفروه) من الجلود ترمز إلى الجيم (ج)، وأخيرا كلمة (درع) من الحديد التي ترمز إلى الحاء(ح)، فتتكون كلمة ناجح، وحل اللغز هو (هاشم ناجح). ولم أجد في ديوان الحاج نعمه مقطوعة أخرى من هذا النوع، إلا إن هذه المقطوعة رغم قصرها تثبت ذلك الفن الشعبي القديم وتجعلنا بتماس معه وتحفظه من النسيان والضياع وتنبه الأجيال القادمة إلى وجوده وامكان النظم فيه. ان طابع القصيدة لدى الحاج نعمه له ما يميزه عن غيره من الشعراء،ففي القصائد رباعية الابيات يحرص دائماً ان تكون موحدة القافية من جهتين ،الصدور والاعجاز ،وهي صفة قلما تجدها عند غيره من الشعراء،وهذا ما يسمى ادبياً وبلاغياً بلزوم ما لايلزم،ولا عجب فهو الذي يبحث دائماً عن التميز والتجديد.يقول في قصيدته (احجي الصحيح ): ارد انشدك صاحبي وحجي الصحيح وكلي ذنبي وعيلتي وبين السبب لا تداري وبجوابك ظل صريح وبكه طامس بالجفه لحد الركب . *** ارد انشدك صاحبي ورد الجواب وبكه طامس بالجفه لحد الحزام ورد جوابي وردك ايكون الصواب اوغوص كون تريد كلك بالتمام شنهو هذة اللبده وشهاذ الغياب بعد ذيج ايامنا وذاك الهيام انا اريد ازيارتك يوم الاطيح يوم تسمع بيه ميعادي كرب . وفي البيت الاخير (الرباط) يعود من جديد الى القافية الاصاية في الصدر والعجز،وهذا الجرس الموسيقي المتكرر له اثره البالغ في اذن السامع الذي يظل على اتصال دائم بالوزن والقافية وهو ما يجعله مشدوداً لسماع الابيات واكمالها والتمتع بمعانيها وموسيقاها وايقاعاتها المتكررة وهذا ما يميز الشعر عن غيره من اداب اللغة ويحببه الى النفوس ويسهل حفظه وروايته على مرور الاجيال . وفي بعض الاحيان يلزم الشاعر نفسه بان يكون الرباط من بيتين مشابهين في القافية لمستهل القصيدة اضافة للابيات الثلاث التي تسبقه وبذلك يتكون البيت الواحد من عشرة مقاطع بدلا من ثمانية، كما سترى في النموذج التالي،وهو امر يوضح براعة الشاعر وتمكنه من القافية بسهولة ويسر مع المحافظة على سلامة الوزن ورزانة المعاني في وزن ثابت لايتغير ،ففي قصيدته (اختار ولفك) يقول: لو ردت تختار ياصاحب ولف اختار ولف اللي تعرف اطباعه من يشوف ايام دهرك تختلف يوكف اوياك ويهز اذراعه . *** ياصحيبي صاحب الصاح النجيب من اصل معروف ومعربينه من تظن بيه خير ظنك مايخيب كون صاحب راي طيب طينه اومن تغيب الناس عنك مايغيب ابيوم ضيجه ولايغمض عينه لاتصاحب صاحب اليبلف بلف من معاشر ذولي الطماعه عين ضيكه ومالحه اوكلبه صلف بس تهزه ايطيح منه اقناعه . ويبع نفس الاسلوب في قصيدة (ود ألف صواب ابدلالك) فيقول: من ولفي اصواب ابدلالي وجروح المنك ست ميه موكتلك بس فك احوالي لا وين اتريد اتعت بيه . *** ود الف صواب ابدلالك من ولفك وتشكر منه وفرح كون ايعذب احوالك خله اشيطلب وشيتمنه تتضجور يالشامي اشمالك جن امحمل ولفك منه اتونس من كون الغالي يدلل كل يوم اعليه ابحر ناره اتعذب يحلالي وجماله اعليه المنيه .
وبهذا لم يقف شاعرنا مكتوف الايدي امام الشكل التقليدي للقصيدة العامية العمودية بل اضاف اليه شيئا جديدا هو اشبه ما يكون بالموشحات التي ابتكرها الشعراء الاندلسيون عندما خرجوا عن شكل القصيدة العربية التقليدية وابدعوا في ما كتبوه من قصائد وموشحات اضافت الى الادب العربي دفعة قوية في مساره التاريخي الطويل،وكمثال على ذلك ابيات القصيدة (شلون كعده) التي يقول فيها:
اشلون كعده اشكد جميله حين عالشاطي اجتمعنه ونسمة الشاطي العليله نسمت واحنا انشعنه . *** ابشاطي دجله الكعده حلوه تحت ظل الزيزفزن الماي بالي الشاطي بلوه يداعبه امداعب حنون الربح تعزف ويتطوه الماي عالشاطي ابفنون *** الريح صار الماي دفه الشاطي كام يهزله جتفه الورد صبح جالمهفه *** ذابله كام اعلى حيله وحنا تحت اغصونه ضعنه ابريحته الطيبه الجليله اتطيبينه احنه وربعنه .
وهذا الشكل من النظم ربما لم يسبق اليه احد قبله ،فهنا نجد ثلاثة اشطر بدون اعجاز اضافها قبل (الرباط) الذي اعتاد الشعراء ان يختموا قصائدهم به،انه من ابداعه الذي لم يحده الا عزوفه عن كتابة الشعر منذ 1990 حيث قرر الا يكتب شعرا بعد ذلك لاسباب يحتفظ بها لنفسه .
لقد ترك الحاج نعمه الفريجي بين دفتي ديوانه ما جادت به قريحته وما أضافه لأدبنا الشعبي عبر قصائد مختارة من ديوانه الذي وضع فيه عصارة أفكاره وتجاربه انه ليس ديوانا للشعر فحسب بل هو أيضا مجموعة من المشاعر والمعاناة والآمال والحكم والتجارب التي لخصها لنا في قصائده السهلة الممتنعة في كل مجالات الحياة. والحمد لله على ما من به علينا من خيراته وبركاته وتسهيل طباعة هذا الديوان التي كانت حلما يراود شاعرنا منذ سنين. **** د.هاشم نعمه الغالي بغداد - 2005
| |
|